وداعاً رجل الدولة: محطات مضيئة في حياة الشيخ محمد بن سلطان القاسمي وإرثه الذي لن يُنسى

رحل عنّا رجلٌ صنع تاريخًا، وسطر قصصًا من العطاء والنّزاهة، وأرسى دعائم التنمية في إمارة الشارقة ودولة الإمارات العربية المتحدة. إنّه الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي رحل تاركًا خلفه إرثًا فريدًا لا يُحصى، وقصصًا من العطاء لا تنتهي. في هذا المقال، نستعرض معًا محطات مضيئة من رحلته الطويلة الغنية، ونستعرض إرثه الخالد الذي سيبقى منارةً للدول والشعوب.
بداية الرحلة: من ذاكرة التاريخ إلى قلب الشارقة
نشأةٌ تشربت حب الوطن
وُلِدَ الشيخ سلطان بن محمد القاسمي عام 1939م، وتشربت روحه منذ الصغر حبّ الشارقة وتراثها العريق. نشأ في أجواء بسيطة، وترعرع على يد والده الشيخ محمد بن سلطان القاسمي، الذي غرّسه مبادئ الشجاعة والكرم والانتماء للوطن. هذه البيئة الصحراوية الصعبة لم تثنِه عن طموحه، بل غذّت إرادته الصلبة وألهمته حبّ بناء الأوطان.
التعليم: بوابة المعرفة والرؤية
على الرغم من الظروف الصعبة، لم يتوانَ سلطان عن اكتساب العلم. درس في مدارس الشارقة الأولى، ثم توجه إلى القاهرة ليكمل تعليمه الجامعي، حيث حصل على بكالوريوس الآداب من جامعة القاه عام 1971م. واستكمل مشواره الأكاديمي بدرجات عليا، فحصل على دكتوراه فخرية من جامعة ليدز البريطانية عام 1985م، ودكتوراه فخرية من جامعة جورجتاون الأمريكية عام 2015م. هذه المعرفة كانت هي الأساس الذي بني عليه رؤيته التنموية.
رجل الدولة: من قلب الأحداث إلى بناء الاتحاد
دوره المؤسس في قيام دولة الإمارات
شارك الشيخ سلطان بن محمد القاسمي بكلّ فؤاده في مسيرة تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971م. كان عضوًا في وفد الشارقة للمفاوضات الاتحادية، وساهم بفعالية في صياغة الدستور والاتفاقيات التي رست أركان الاتحاد. لم يكن حاكم الشارقة مجرد مسؤول، بل كان راعيًا للتسامح والوحدة، حيث دأب على تذكير أبناء الإمارات بأن قوتهم تكمن في وحدتهم وتلاحمهم.
حاكم الشارقة: حكمةٌ صنعت عصرًا ذهبيًا
تولى حكم الشارقة عام 1972م، وظل رافعًا لواء التطور والازدهار لأكثر من نصف قرن. شهدت عهدهة تحولاتٍ نوعية كثيرة:
- التنمية الاقتصادية: أنشأ الموانئ والمناطق الحرة التي حولت الشارقة إلى بوابة تجارية عالمية.
- البنية التحتية: شقّ الطرق، والجسور، ووسّع المطار، وأنشأ مشاريع سكنية وخدمية عالمية المستوى.
- القطاع التعليمي: ركز على بناء الإنسان، فأسس جامعات ومعاهد علمية من أبرزها جامعة الشارقة.
إرثٌ ثقافي وعلمي: منارةٌ للإنسانية
حفّاز للثقافة والفنون
لم يكن الشيخ سلطان مجرد سياسيّ، بل كان راعيًا للثقافة والفنون في أسمى صورها. أنشأ "متحف الشارقة للفنون الإسلامي"، الذي أصبح مركزًا إقليميًا وعالميًا للتراث الحضاري. كما أسس "دور النشر والتراث" و"مكتبة الشارقة العامة"، ودعم المهرجانات الأدبية والفنية على مدار العام. كان يؤمن بأن الثقافة هي أساس المجتمعات، وسبيلًا للتعايش السلمي بين الأمم.
مؤسس للعلم والمعرفة
يُعدّ الشيخ سلطان رائدًا للنهضة التعليمية في الشارقة ودولة الإمارات، حيث أسس:
- جامعة الشارقة (1986م) التي أصبحت من أبرز الجامعات في المنطقة.
- جامعة العلوم والتكنولوجيا في الشارقة (UMST) لتخريج الكوادر المتخصصة.
- المدارس الأكاديمية الدولية التي تعتمد المناهج المتقدمة.
مشاريعٌ تنموية مستدامة: رؤيةٌ تبصر الغد
مشروع "مدينة الشارقة الذكية"
كان الشيخ سلطان رائدًا للمشاريع المستقبلية، حيث أطلق "مدينة الشارقة الذكية" التي تستخدم التقنيات الحديثة لتحسين جودة الحياة. تضم مشاريع طاقة نظيفة، وأنظمة ذكية لإدارة الموارد، ومتنفسات خضراء تضمن الاستدامة البيئية لأجيال المستقبل.
مشاريع استراتيجية عالمية
أبرز مشاريعه التي لا تزال تشهد نموًا متواصلًا:
- ميناء خليج خالد: أحد أهم الموانئ التجارية في العالم.
- مطار الشارقة الدولي: بوابة الشرق الأوسط الجوية.
- مدينة الشارقة للإعلام: مركز إعلامي عالمي المستوى.
- المناطق الحرة: التي جذبت استثمارات أجنبية بأكثر من 50 مليار دولار.
شخصيةٌ فذة: القيادة الإنسانية
حكمةٌ وسعة أفق
كان الشيخ سلطان يتميز بحكمته الفائقة، وسمعه الطويل، ورؤيته الثاقبة. كان يلتقي بالمواطنين والشخصيات العالمية على قدم المساواة، ويستمع لآراء الجميع قبل اتخاذ القرارات. هذه الصفة جعلته قائدًا محبوبًا من شعبه وموقرًا على الساحة الدولية.
تواضعٌ وبساطةٌ لا مثيل لهما
على رغم من مناصبه العالية، كان الشيخ سلطان متواضعًا إلى حدٍّ مدهش. كان يزور الأسواق بنفسه، ويجالس الموظفين، ويشاركهم أفراحهم وهمومهم. كان يرفض التفاخر بالمناصب، ويؤكد أن "المنصب ليس سوى أداة للخدمة، وليس غاية في حد ذاته".
في الختام، يبقى إرث الشيخ سلطان بن محمد القاسمي خالدًا كرمزٍ للعطاء والإنجاز. لم يكن رجل دولة بمعنى السياسة فقط، بل كان رجل إنسانية بكلّ معنى الكلمة. فمن خلال مشاريعه التنموية، وثقافته الراقية، وحكمته الخالدة، ورسم مسارًا ذهبيًا للشارقة والإمارات، deixou um legado que inspirará gerações futuras. وداعًا أيها الرجل العظيم، وداعًا أيها القائد الحكيم، لن يُنسى إرثك أبدًا.
لمن يُنسب إنجاز الشيخ سلطان بن محمد القاسمي؟
ينسب إلى الشيخ سلطان بن محمد القاسمي تأسيس النهضة الحديثة في إمارة الشارقة، حيث قاد مسيرة التنمية الشاملة في البنية التحتية والتعليم والثقافة والاقتصاد، وعُرف بدوره المؤسس في قيام دولة الإمارات العربية المتحدة.
ما أبرز المؤسسات التعليمية التي أسسها؟
أسس جامعة الشارقة (1986م)، وجامعة العلوم والتكنولوجيا في الشارقة (UMST)، ودعم إنشاء مدارس دولية، ومكتبات، ومراكز بحثية عالمية المستوى، مما جعل الشارقة قبلة للطلاب والباحثين من مختلف أنحاء العالم.
كيف ساهم في الحفاظ على التراث العربي والإسلامي؟
أنشأ متحف الشارقة للفنون الإسلامي، ودار الكتب والمخطوطات، ودور النشر والتراث، وأطلق مهرجانات ثقافية وأدبية، وأصدر كتبًا تاريخية وأدبية، وساهم في توثيق التراث وحمايته عبر مشاريعه الثقافية المتنوعة.
ما أبرز المشاريع العمرانية التي أطلقها؟
شملت مشاريعه: ميناء خليج خالد، ومطار الشارقة الدولي، ومدينة الشارقة للإعلام، والمناطق الحرة، ومدينة الشارقة الذكية، بالإضافة إلى مشاريع سكنية وخدمية استراتيجية حولت الشارقة إلى مركز عالمي للتجارة والابتكار.
ما موقفه من التعليم والثقافة؟
كان يعتبر التعليم أساسًا لبناء الأمم، والثقافة وسيلةً للتلاقي الحضاري. ركز على إنشاء مؤسسات تعليمية عالمية المستوى، ودعم البحث العلمي، والنهوض بالفنون والآداب، وتشجيع الحوار بين الثقافات.







