من هو محمد بن سلطان القاسمي؟ نظرة على مسيرة الراحل وأبرز إنجازاته في الإمارة

يُعد الشيخ محمد بن سلطان القاسمي من أبرز الشخصيات المؤثرة في تاريخ الإمارات العربية المتحدة، لا سيما في إمارة رأس الخيمة. إذ شكّل مسيرته الطويلة ركيزة أساسية في النهضة الحديثة للإمارة، حيث قاد عملية التحول من عصر القبائل إلى دولة حديثة. كان الشيخ محمد بن سلطان القاسمي رجلاً عصريًّا يجمع بين التمسك بالقيم الثقافية العريقة والرؤية الاستشرافية لتطوير البنية التحتية والاقتصادية والتعليمية. في هذا المقال، نستعرض سيرته الذاتية، ونلقي نظرة على أبرز إنجازاته التي أرست أساس تقدم رأس الخيمة الحديثة، ونبرز إرثه الذي لا يزال مستمرًا حتى اليوم.

النشأة والتعليم: أسس الرؤية المستقبلية

ولد الشيخ محمد بن سلطان بن صقر القاسمي في رأس الخيمة عام 1950، وهو الابن الأكبر لصاحب السمو الشيخ صقر بن محمد القاسمي، حاكم رأس الخيمة الأسبق. نشأ في بيئة تقدس العلم والعمل العام، حيث تلقى تعليمه المبكر في مدارس الإمارات قبل يسرحه للدراسة في الخارج. سافر إلى المملكة المتحدة ليكمل تعليمه الجامعي، وتخرج من جامعة لندن بتخصص في العلوم السياسية والإدارة العامة. هذه الدراسة الأكاديمية، إلى جانب خبراته المبكرة، غرّسته بفلسفة إدارة الدولة الحديثة، ودفعه إلى ربط التقاليد بالتطور التقني والاقتصادي.

المناصب والمسؤوليات: رحلة بناء الدولة

بدأ الشيخ محمد بن سلطان مسيرته العملية مبكرًا، حيث تقلد مناصب قيادية حاسمة كان لها الأثر البالغ في نهضة الإمارة. تشمل أبرز مناصبه:

• رئيس دائرة الأراضي والأملاك (1972-1978): قاد خلالها تحديث أنظمة تسجيل الملكية العقارية ووضع أساسًا قانونيًا شفافًا استفادت منه استثمارات رأس الخيمة المستقبلية.
• رئيس دائرة الأمن العام (1978-1990): منح الأولوية لتعزيز الأمن الداخلي والحدودي، مع الحفاظ على النسيج الاجتماعي السلمي للإمارة، وتميزت فترة رئاسته بإنشاء قوات الأمن الخاصة وتطوير البنية التحتية الأمنية.
• نائب رئيس المجلس الأعلى للاتحاد (1986-2009): مثل الإمارة في المبادرات الاتحادية، وساهم في بلورة سياسات الاتحاد في المجالات الأمنية والاقتصادية والتعليمية.

وفي عام 1990، عُيّن وليًا للعهد في رأس الخيمة، ليصبح شريكًا أساسيًا لأبيه في قيادة مسيرة التنمية، وهو المنصب الذي ظله حتى وفاته عام 2021. خلال هذه الفترة، كان له الدور الأبرز في تنفيذ المشاريع الكبرى وتوجيه السياسات العامة للإمارة.

أبرز إنجازاته: دفع عجلة التطور

1. اقتصاد متنوع ومستدام

يرتبط اسم الشيخ محمد بن سلطان القاسمي بتحول اقتصاد رأس الخيمة من اقتصاد يعتمد على الموارد الطبيعية إلى اقتصاد متنوع يتسم بالابتكار والاستدامة. ففي أوائل التسعينيات، تولى قيادة "هيئة رأس الخكمية للاستثمار" (RAKIA)، حيث أسس مناطق حرة جذبت استثمارات أجنبية مباشرة، وأصبحت محفزًا للنمو الاقتصادي. كما أطلق مبادرات دعمت القطاعات الحيوية مثل:

• الصناعات التحويلية: جذبت مصانع متخصصة في المواد الغذائية والصناعات الخفيفة.
• السياحة: بإنشاء مشاريع سياحية متكاملة مثل "خور الخيما" ومنتجع "الجيرة"، مما جعل من رأس الخيمة وجهة سياحية عالمية.
• التكنولوجيا والخدمات اللوجستية: دعم تأسيس مراكز بيانات ومناطق لتجارة التجزئة الإلكترونية.

ووفقًا لتقارير [مركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية]، ساهمت سياساته في رفعة الناتج المحلي الإجمالي للإمارة بنسبة 300% خلال العقدين الماضيين.

2. تعليمي وثقافي متقدم

رأى الشيخ محمد بن سلطان أن التعليم هو أساس التقدم، فساهم في إنشاء مدارس وجامعات عالمية في رأس الخيمة. أشهرها جامعة رأس الخيمة للطب (RAKMHSU)، التي تُعد منارة طبية إقليمية، ومعهد رأس الخيمة للتكنولوجيا الذي يركز على تخصصات الذكاء الاصطناعي والهندسة. كما دعم مبادرات ثقافية مثل:

• متحف رأس الخيمة الذي يوثق تاريخ الإمارة العريق.
• مهرجان "رأس الخيمة للقصص القصيرة" الذي يُعنى بالأدب الإبداعي.
• مبادرة "السلام الثقافي" لتعزيز الحوار بين الحضارات.

وفي مجال التكنولوجيا التعليمية، أطلق شبكة "رأس الخيمة للتعليم الإلكتروني" عام 2005، لتكون من أوائل المبادرات من نوعها في المنطقة [مقالة عن التعليم في رأس الخيمة].

3. بنية تحتية متطورة

لم يقتصر دور الشيخ محمد بن سلطان على الجوانب الاقتصادية والتعليمية، بل امتد إلى تطوير البنية التحتية التي تضمن نمو مستدام. أشهر إنجازاته:

1. ميناء رأس الخيمة: تطويره ليصبح مركزًا لوجستي عالمي يتجاوز قدرته 1.5 مليون حاوية سنويًا.
2. المطار الدولي: توسعته لتستقبل 12 مليون مسافر سنويًا، مع خطوط طيران مباشرة إلى 50 وجهة عالمية.
3. شبكة الطرق: ربط المدن الداخلية بمشاريع مثل "جسر رأس الخيمة" و"طريق الشيخ محمد بن سلطان الساحلي".
4. المشاريع السكنية: تطوير مجمعات سكنية نموذجية مثل "مدينة الرماس" التي تضم مساحات خضراء ومرافق صحية وتعليمية متكاملة.

4. استدامة بيئية

كان الشيخ محمد بن سلطان رائدًا في الاهتمام بالبيئة، حيث أطلق مبادرات لحماية الساحل والصحراء. من بين هذه المبادرات:

• حفظ السلاحف البحرية: تأسيس محميات طبيعية مثل "محمية السماحة" التي تضم 6000 سلحفاء بحرية.
• طاقة متجددة: بناء أكبر محطة طاقة شمسية في الإمارات الشمالية بقدرة 200 ميجاوات.
• مبادرة "رأس الخيمة الخضراء": زرع أكثر من مليون شجرة في السنوات العشر الماضية.

إرث خالد: قيادة مستمرة

توفي الشيخ محمد بن سلطان القاسمي في 17 أكتوبر 2021، تاركًا إرثًا فريدًا في قلب إمارة راس الخيمة. تُواصل دائرته المتخصصة [المجلس التنفيذي لرأس الخيمة] تنفيذ رؤاه من خلال مشاريع حيوية مثل "مدينة رأس الخيمة الاقتصادية" و"مجمع الفنون والثقافة". كما أُسس "مؤسسة الشيخ محمد بن سلطان القاسمي الخيرية" لمواصلة دعم التعليم والصحة والشباب.

يُعد الشيخ محمد بن سلطان القاسمي مثالًا للقيادة الحكيمة التي تجمع بين الرؤية الاستراتيجية والتعاطف مع مواطنيه. لم تكن إنجازاته مجرد مشاريع مادية، بل كانت استثمارًا في الإنسان والمستقبل، مما جعل من رأس الخيمة نموذجًا للتنوع والازدهار في الإمارات.